سورة فاطر - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فاطر)


        


{إِنَّ الله يُمْسِكُ السموات والارض أَن تَزُولاَ} استئنافٌ مسوقٌ لبيانِ غايةِ قُبحِ الشِّركِ وهو له أنْ يمسكهما كراهةَ زوالِهما أو يمنعهما أنْ تزولا لأنَّ الإمساك منع {وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا} أي مَا أمسكهما {مِنْ أَحَدٍ مّن بَعْدِهِ} من بعدِ إمساكِه تعالى أو من بعدِ الزَّوالِ. والجملةُ سادَّةٌ مسدَّ الجوابينِ ومِن الأوُلى مزيدةٌ لتأكيدِ العُمومِ والثَّانيةُ للابتداءِ {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} غيرَ معاجلٍ بالعقوبةِ التي تستوجبُها جناياتُهم حيثُ أمسكَهما وكانتا جديرتينِ بأنْ تهدّا هداً حسبما قال تعالى: {تَكَادُ السموات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الارض} وقرئ: {ولو زَالَتا}.
{وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أهدى مِنْ إِحْدَى الامم} بلغ قُريشاً قبل مبعثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ أهلَ الكتابِ كذَّبوا رسلَهم فقالُوا لعنَ الله اليَّهودَ والنَّصارَى أتتُهم الرُّسلُ فكذَّبُوهم فوالله لئن أتانا رسولٌ لنكونَّن أهدى من إِحدى الأممِ اليَّهودِ والنَّصارَى وغيرِهم أو من الأمَّةِ التي يُقال لها إِحدى الأممِ تفضيلاً لها على غيرِها في الهُدَى والاستقامةِ. {فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ} وأيُّ نذير أشرفُ الرُّسُلِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ {مَّا زَادَهُمْ} أي النَّذيرُ أو مجيئةُ {إِلاَّ نُفُورًا} تُباعداً عن الحقِّ {استكبارا فِى الارض} بدلٌ من نُفوراً أي مفعولٌ له {وَمَكْرَ السيىء} أصلُه وإنْ مكرُوا السَّيءَ أيَّ المكرَ السَّىءَ ثم ومكراً السَّيءَ ثم ومكرَ السيء وقرئ بسكونِ الهمزةِ في الوصلِ ولعلَّه اختلاسٌ ظُنَّ سُكوتاً أو وقفةٌ خفيفةٌ وقرئ: {مكراً سيِّئاً} {وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ} أي ما ينتظرونَ {إِلاَّ سُنَّةَ آلاْوَّلِينَ} أي سُنَّة الله فيهم بتعذيبِ مكذِّبيهم {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً} بأنْ يضع موضعَ العذابِ غيرَ العذابِ {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَحْوِيلاً} بأنْ ينقله من المكذِّبين إلى غيرِهم. والفاءُ لتعليلِ ما يُفيدُه الحكمُ بانتظارِهم العذابَ من مجيئهِ ونفيُ وجدانِ التَّبديلِ والتَّحويلِ عبارةٌ عن نفيِ وجودِها بالطَّريقِ البُرهانِّي وتخصيصُ كلَ منُهما بنفيٍ مستقلَ لتأكيدِ انتفائِهما.
{أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِى الارض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ} استشهاد على ما قبلَه من جريانِ سُنَّتِه تعالى على تعذيبِ المُكذِّبينَ بما يشاهدوَنُه في مسايرِهم إلى الشَّامِ واليمنِ والعراقِ من آثار دمار الأممِ الماضيةِ العاتيةِ والهمزةُ للإنكارِ والنَّفيِ. والواوُ للعطفِ على مقدَّرٍ يليقُ بالمقامِ أي أقعدُوا في مساكنِهم ولم يسيرُوا في الأرضِ فينظُروا كيف كان عاقبةُ الذين من قبلِهم {وَكَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} وأطولَ أعماراً فما نفعُهم طولُ المَدَى وما أغنَى عنهم شدَّةُ القُوى. ومحلُّ الجملةِ النَّصبُ على الحاليَّةِ. وقولُه تعالى {وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِن شَىْء} أي ليسبقَه وبفوتَه {فِي السموات وَلاَ فِى الارض} اعتراضٌ مقررٌ لما يُفهم مَّما قبله من استئصالِ الأممِ السَّالفةِ. وقولُه تعالىَ {إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} أي مُبالغاً في العلمِ والقُدرةِ ولذلك علمَ بجميعِ أعمالِهم السَّيئةِ فعاقبَهم بموجبِها تعليل لذلك.


{وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس} جميعاً {بِمَا كَسَبُواْ} من السَّيئاتِ كما فُعل بأولئكَ {مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا} أي على ظهرِ الأرضِ {مِن دَابَّةٍ} من نسمةٍ تدُبُّ عليها من بني آدمَ وقيل: ومن غيرِهم أيضاً من شؤمِ معاصِيهم. وهو المرويُّ عن ابن مسعودٍ وأنس رضي الله عنهما. ويُعضدُ الأوَّلِ قولُه تعالى {ولكن يُؤَخِرُهُمْ إلى أَجَلٍ مسمى} وهو يومُ القيامةِ {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً} فيجازيهم عندَ ذلك بأعمالِهم إنْ خيراً فخيرٌ وإنْ شرَّاً فشرٌّ.
عن النبيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامِ: «مَن قرأَ سورةَ الملائكةِ دعتْهُ ثمانيةُ أبوابِ الجنَّةِ أنِ ادخلْ من أيِّ بابٍ شئتَ» والله تعالَى أعلمُ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6